مع اقتراب الانتخابات الأمريكية، يتصاعد الحماس، ويتزايد الصراع بين المرشحين للوصول إلى منصب رئيس الولايات المتحدة، الذي يعدّ مركزًا للقرار السياسي الأمريكي. ومع التطور التكنولوجي المتسارع، لم تعد الحملات الانتخابية تعتمد فقط على الخطاب السياسي، بل أصبحت تستند أيضًا إلى استراتيجيات متطورة تتضمن استخدام الذكاء الاصطناعي كأداة رئيسية في عالم الدعاية.
ومع أن التقدم التكنولوجي يوفر العديد من الفوائد، إلا أن الذكاء الاصطناعي يُثير مخاوف جديدة حول نزاهة العملية الانتخابية، حيث إن هناك إمكانية للتلاعب ونشر المعلومات الخاطئة، مما يهدد شفافية الانتخابات ويثير القلق حول مستقبل الديمقراطية في الولايات المتحدة.
هل المخاوف من تهديدات الذكاء الاصطناعي تجاه نزاهة الانتخابات مبررة أم مبالغ فيها؟
في بداية العام، حذر العديد من المحللين والخبراء التقنيين من أن الذكاء الاصطناعي قد يساهم في خلق الفوضى في الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024، من خلال نشر معلومات مضللة عبر تقنيات مثل Deepfake (التزييف العميق) والإعلانات السياسية الموجهة. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن هناك قلقًا متزايدًا بين الأمريكيين من استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل سلبي في الانتخابات، حيث أظهر استطلاع أجرته مؤسسة Pew Research Center أن 39% من الأمريكيين يعتقدون أن الذكاء الاصطناعي قد يُستخدم لأغراض سلبية في الانتخابات، مقابل 5% فقط ممن يعتقدون أنه سيستخدم لأغراض إيجابية. كذلك، أبدى 27% من المشاركين في الاستطلاع اعتقادهم بأنه سيتم استخدامه بشكل متساوٍ بين الأغراض الإيجابية والسلبية.
وقد عبرت نسبة كبيرة من الأمريكيين عن مخاوفهم من أن تتلاعب بعض الجهات بالذكاء الاصطناعي لإنتاج وتوزيع معلومات خاطئة حول المرشحين وحملاتهم، حيث أظهرت الدراسة أن 57% من البالغين في الولايات المتحدة قلقون بشدة من هذه الإمكانية.
تراجع المخاوف مع بدء العد التنازلي للانتخابات
ومع اقتراب موعد الانتخابات، يبدو أن المخاوف المتعلقة باستخدام الذكاء الاصطناعي كأداة للتأثير السلبي قد تكون مبالغًا فيها. ففي تقرير صدر عن U.S. Intelligence Community، ذكر أن بعض الدول الأجنبية، مثل روسيا، استغلت الذكاء الاصطناعي لتحسين عمليات التأثير على الناخبين، إلا أن الأدوات التكنولوجية الحديثة لم تحدث ثورة في هذا المجال بعد.
كما يؤكد الخبراء في مجال التكنولوجيا أن عام 2024 لم يشهد زيادة ملحوظة في استخدام تقنيات Generative AI (الذكاء الاصطناعي التوليدي) لأغراض سياسية، وهو ما أشارت إليه بيتسي هوفر، مؤسسة Higher Ground Labs، حيث ترى أن تأثير الذكاء الاصطناعي في الحملات الانتخابية لم يصل بعد إلى المستوى المتوقع أو المخيف.
تأثير الذكاء الاصطناعي على منصات الرسائل الخاصة ووسائل التواصل الاجتماعي
رغم أن تأثير الذكاء الاصطناعي على هذه الدورة الانتخابية ما زال غير واضح، فإن الباحثين يحذرون من أن هذا التأثير قد يكون أكبر في المستقبل. ووفقًا لتقرير نشرته مجلة TIME، يرى بعض الباحثين أن تقنيات الذكاء الاصطناعي التوليدي قد تُستخدم بشكل خفي عبر منصات الرسائل الخاصة، ما يجعل من الصعب تتبعها ورصدها.
وقد أشارت ميا هوفمان، الباحثة في مركز Georgetown’s Center for Security and Emerging Technology، إلى أن البيانات حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الناخبين محدودة بسبب قيود فرضتها شركات التكنولوجيا على مشاركة المعلومات. فقد أوقفت Meta خدمة CrowdTangle على منصتي Facebook وInstagram، كما أغلقت X الوصول إلى واجهة برمجة التطبيقات الخاصة بها، مما يُصعّب على الباحثين تتبع المعلومات الخاطئة المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي.
وتقول هوفمان إنه مع انتشار تطبيقات المراسلة المشفرة مثل WhatsApp، والتي تحظى بشعبية خاصة بين المجتمعات المهاجرة في الولايات المتحدة، فإن هناك احتمالية لتزايد استخدام المعلومات المضللة التي يتم إنشاؤها باستخدام الذكاء الاصطناعي. وتعتقد هوفمان أن هذه المعلومات قد تستخدم لاستهداف الناخبين في الولايات المتأرجحة بهدف التأثير على خياراتهم.
تصاعد عمليات التزييف العميق في السياسة العالمية
ذكرت مجلة TIME أن الذكاء الاصطناعي قد أحدث تأثيرًا كبيرًا على السياسة في العديد من دول العالم. ففي جنوب آسيا، استُخدم الذكاء الاصطناعي من قبل بعض المرشحين لنشر صور ومقاطع فيديو زائفة، بهدف التأثير على الرأي العام. كما شهدت المملكة المتحدة حادثة تضمنت نشر فيديو مزيف لعمدة لندن صادق خان، تم فيه تحريف تعليقاته لتبدو تحريضية، مما أدى إلى اشتباكات بين مؤيدين ومعارضين.
وفي الولايات المتحدة، استُخدمت تقنيات التزييف العميق في فبراير الماضي لنشر رسائل صوتية مزيفة باسم الرئيس الأمريكي جو بايدن، مما أثار القلق حول تأثير مثل هذه التقنيات على النزاهة الانتخابية. وقد سارعت الجهات المسؤولة، مثل Federal Communications Commission، إلى حظر هذه المكالمات ومنع انتشارها.
وفي أغسطس، نشر الرئيس السابق دونالد ترامب صورًا مولدة باستخدام الذكاء الاصطناعي تُظهر تأييد المغنية تايلور سويفت له، بالإضافة إلى صور تضع كامالا هاريس بملابس شيوعية، بهدف التلاعب بالرأي العام.
تأثيرات الذكاء الاصطناعي الخبيثة على الانتخابات
أشارت وكالة CISA إلى أن الذكاء الاصطناعي التوليدي يمكن أن يُستخدم بشكل ضار لخلق معلومات مضللة ونشرها بشكل واسع، مما يزيد من مخاطر استهداف البنية التحتية للانتخابات. ومن بين الأمثلة المحتملة لهذا الاستخدام الضار، استخدام الذكاء الاصطناعي لتوليد صور ومقاطع فيديو مزيفة لتغيير رأي الجمهور تجاه المرشحين، أو استخدام الأصوات المزيفة لانتحال هوية شخصيات معينة للوصول إلى معلومات حساسة.
كما أن الذكاء الاصطناعي يُمكن أن يُستخدم في نشر هجمات إلكترونية مثل هجمات DDoS لتعطيل مواقع الويب المرتبطة بالانتخابات، مما يزيد من الضغط على الجهات الأمنية.
استخدامات الذكاء الاصطناعي الخبيثة وتأثيراتها على الحملات الانتخابية
في ختام التقرير، أشار المركز الوطني للأمن السيبراني إلى أن الذكاء الاصطناعي يُشكل أداة فعّالة في عمليات التصيّد الاحتيالي وحملات الهندسة الاجتماعية التي تستغل أخطاء المستخدمين للحصول على بيانات حساسة أو التلاعب بقراراتهم.
يشكل الذكاء الاصطناعي بذلك سلاحًا ذا حدين في المجال السياسي، حيث قد يسهم في تسهيل العملية الانتخابية وزيادة الكفاءة، إلا أنه يمكن أن يُستخدم أيضًا بطرق خبيثة من قبل الجهات الفاعلة لخلق الفوضى والتأثير على الرأي العام بطرق تتجاوز حدود الشفافية والنزاهة.