تعد الروبوتات أحد أبرز التطورات في مجال التكنولوجيا الحديثة، حيث تلعب دورًا أساسيًا في العديد من المجالات، مثل الصناعة والطب والبيئة. على سبيل المثال، تُستخدم الروبوتات في تحسين الإنتاجية وجودة العمليات الصناعية، وفي تقديم الرعاية الصحية في العمليات الجراحية والمهام الطبية الدقيقة. كما تساهم أيضًا في الأنشطة البيئية مثل جمع النفايات وتنظيف الشوارع. ولكن هناك مجال آخر يبدو أن الروبوتات قد تسهم فيه بشكل كبير: الأعمال المنزلية.
على الرغم من التقدم الكبير في مجال الروبوتات، يواجه الباحثون العديد من التحديات في تدريب الروبوتات التي تعمل في البيئات المنزلية. على عكس الباحثين الذين يتعاملون مع الذكاء الاصطناعي مثل شات جي بي تي، الذين يمكنهم استخدام كميات ضخمة من النصوص والصور والفيديوهات لتدريب أنظمتهم، يواجه المهندسون تحديات أكبر في تدريب الآلات. فالبيانات التي تحتاجها الروبوتات لتعمل بكفاءة في البيئات الديناميكية مثل المنازل ليست متاحة بكثرة. إضافة إلى ذلك، تتطلب عملية تدريب الروبوتات محاكاة معقدة وغالبًا ما تتطلب تقنيات متقدمة مثل الرسوم المتحركة التي يضطر إلى تصميمها مهندسون أو مصممون جرافيك، مما يزيد من تكلفة هذه العملية.
ومع ذلك، في خطوة كبيرة نحو حل هذه المشاكل، قام فريق من الباحثين من جامعة واشنطن بإجراء دراستين جديدتين حول استخدام أنظمة الذكاء الاصطناعي لتدريب الروبوتات على العمل في البيئات الحقيقية باستخدام الصور والفيديو. هذا قد يؤدي إلى خفض كبير في تكلفة تدريب الروبوتات، مما يساهم في تسريع استخدام الروبوتات المنزلية.
نظام RialTo
في الدراسة الأولى، كشف الباحثون عن نظام الذكاء الاصطناعي الذي أطلق عليهRialTo تم تطوير هذا النظام بواسطة أبهيشيك جوبتا، أستاذ مساعد في كلية بول جي ألين لعلوم وهندسة الحاسوب، والذي شارك أيضًا في تأليف الدراسة مع فريق من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. يستخدم النظام الفيديو لتسجيل البيئة والأجزاء المتحركة منها عبر الهاتف الذكي. على سبيل المثال، في المطبخ، يقوم المستخدم بتسجيل كيفية فتح الخزائن والثلاجة، ثم يُستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات وتنفيذ نماذج محاكاة حول كيفية تحرك الأشياء.
تقوم هذه الطريقة على مبدأ التعلم المعزز، حيث يتعلم الروبوت من خلال التجربة والخطأ في بيئة افتراضية مماثلة للبيئة الحقيقية. على سبيل المثال، يمكن للروبوت أن يتعلم كيفية فتح الخزانة أو المحمصة عبر محاكاة في بيئة افتراضية، وبمرور الوقت يتحسن أداؤه ليكون دقيقًا في البيئات الواقعية أيضًا، مثل المنزل الذي يسجل فيه الفيديو.
ويشرح جوبتا قائلاً: نحاول تعليم الأنظمة على العالم الحقيقي من خلال المحاكاة، موضحًا أن هذه الطريقة مفيدة لضمان سلامة الروبوتات، بحيث لا يتسبب الروبوت في كسر الأشياء أو إصابة الأشخاص أثناء تفاعله مع البيئة. بعد أن يتم اختبار النظام بنجاح في المختبر، يسعى الفريق لنشره في المنازل لتقوم الروبوتات بمهام منزلية بشكل أكثر فعالية.
نظام URD Former
أما في الدراسة الثانية، فقد قام الفريق ببناء نظام آخر يسمى URD Former، والذي يختلف قليلاً في هدفه عن ريل تو. بينما يركز ريل تو على تحسين الأداء في بيئة معينة، فإن يو آر دي فورمر يهدف إلى إنشاء محاكاة سريعة وبتكلفة منخفضة لعدة بيئات منزلية. يعتمد النظام على تحليل الصور المتاحة على الإنترنت وربطها بالنماذج الحالية حول كيفية تحرك الأشياء، مثل الأدراج والخزائن، داخل المطبخ. هذا يسمح للباحثين بتدريب الروبوتات بسرعة على أداء المهام في بيئات متنوعة.
وفقًا لـ زوي تشين، المؤلفة الرئيسية للدراسة، فإن نظام يو آر دي فورمر يساعد في تدريب الروبوتات على مئات السيناريوهات المختلفة بسرعة وبأقل تكلفة. بينما تعد هذه المحاكاة أقل دقة من ريل تو، إلا أنها تمكن الباحثين من إعداد الروبوتات للعمل في بيئات مختلفة دون الحاجة إلى تكاليف مرتفعة.
ويضيف جوبتا أن النظامين يمكن أن يكمل كل منهما الآخر. حيث أن يو آر دي فورمر يوفر قاعدة تدريب واسعة النطاق على بيئات متنوعة، في حين أن ريل تو يمكن أن يكون أكثر فعالية في نشر الروبوتات المدربة في المنازل لتحقيق نتائج دقيقة.
التعلم المعزز
تُعد عملية التعلم المعزز Reinforcement Learning جزءًا أساسياً من هذه الأنظمة. يعتمد التعلم المعزز على تدريب الأنظمة على اتخاذ قرارات بشكل متسلسل لتحقيق أهداف معينة، باستخدام أسلوب التجربة والخطأ. في هذه العملية، يتم تعزيز الإجراءات التي تحقق الهدف والتجاهل أو التعديل للأفعال التي لا تؤدي إلى النتائج المرجوة. يشبه هذا الأسلوب الطريقة التي يتعلم بها البشر من خلال تلقي المكافآت أو العقوبات بناءً على سلوكهم.
تتضمن عملية التعلم المعزز ثلاث خطوات رئيسية:
1- البيئة: حيث يبدأ النظام في التدريب في بيئة محاكاة تحتوي على ملاحظات وإجراءات ومكافآت.
2- التدريب: يتعلم النظام اتخاذ قرارات بناءً على المعلومات التي يحصل عليها من البيئة.
3- النشر: بعد اختبار النظام وتدريبه بنجاح في بيئة المحاكاة، يتم نشره في النظام الحقيقي.
خلاصة:
على الرغم من أن الطريق لا يزال طويلاً نحو تطوير روبوتات قادرة على إتمام كافة الأعمال المنزلية بشكل كامل، فإن هذه الدراسات تشير إلى تقدم ملحوظ في مجال الذكاء الاصطناعي. مع تحسين تقنيات المحاكاة والتدريب، قد تصبح الروبوتات أكثر قدرة على أداء مهام منزلية بشكل مستقل وفعّال، مما قد يساهم بشكل كبير في تسهيل الحياة اليومية وتقليل عبء الأعمال المنزلية على البشر في المستقبل القريب.