الأخبار

المنطقة العربية : مركز مزدهر للألعاب الرقمية

لم تعد ألعاب الفيديو مجرد وسيلة تسلية، بل تطورت هذه الصناعة مع تطور التقنيات المختلفة لتصبح الآن إحدى أهم الصناعات الرقمية في العالم أجمع لتنبثق تحتها مجموعة واسعة من الصناعات المختلفة التي تعتمد عليها بشكل رئيسي، مما أدى إلى توسع قطاع هذه الألعاب بشكل كبير وتحويله إلى فئة من فئات التسلية العالمية بعد أن كان جزءا صغيرا يضم مجموعة متشابهة من الألعاب.

يعود الفضل جزئيا في هذا التطور الواسع داخل قطاع ألعاب الفيديو إلى القدرات التي وصلت إليها أجهزة الكمبيوتر ووحدات المعالجة في العالم، إذ أصبحت أجهزة الكمبيوتر قادرة على توليد عوالم تقترب من الواقع بشكل كبير للغاية، مما ساهم في أسر قلوب الملايين حول العالم وجذبهم إلى عالم الألعاب الرقمية.

كما أن الألعاب الرقمية أصبحت جزءا من الهوية المكونة للكثير من أبناء هذا الجيل، والذين أصبحوا اليوم يشكلون القوة الشرائية العظمى في العالم، إذ يتحكمون في أكثر من 300 مليار دولار سنويا وفق أحدث دراسة نشرتها مجلة Forbes.

لذلك، كان من المنطقي أن يتوجه جزء كبير من هذا الدخل والقوة الشرائية إلى الهوايات التي يفضلها هؤلاء، والتي شكلت الألعاب الرقمية الجزء الأكبر فيها، وهو ما أكدته دراسة نشرتها مجلة Variety في أبريل الماضي، إذ كشفت أن 52% من أبناء جيل الألفية يفضلون قضاء وقتهم في ممارسة ألعاب الفيديو.

هذا الاهتمام العالمي لم يكن بعيدا عن المنطقة العربية التي كانت لها حصة من الإنفاق العالمي على الألعاب الرقمية في عام 2023، والذي وصل إلى 1.92 مليار دولار مع توقعات بتجاوز 2.6 مليار دولار بحلول عام 2027.

المزيد من الإقبال على الألعاب الرقمية في المنطقة العربية
تظهر تفاصيل الإنفاق المحلي على قطاع الألعاب الرقمية في التقرير الذي نشرته شركة Niko Partener مطلع فبراير 2024، وهو تقرير سنوي تطلقه الشركة لتحليل هذا القطاع في المنطقة العربية.

التقرير أظهر بوضوح نمو الإنفاق على قطاع الألعاب الرقمية في المنطقة العربية بمقدار 7.8% عن العام الماضي محققا هذا العام 1.92 مليار دولار تقريبا مع توقعات بوصوله إلى 2.65 مليار دولار عام 2027، وذلك عن منطقة "مينا- 3" كما تطلق عليها الشركة، وهي تشكل الدول الثلاث الرئيسية في الإنفاق على الألعاب الرقمية في المنطقة العربية.

وفي مقدمة الدول المنفقة على الألعاب الرقمية جاءت المملكة العربية السعودية بنسبة 57.6% من إجمالي الإنفاق على هذا القطاع، وتليها الإمارات مع 31.9%، ثم مصر مع 10.5% من إجمالي الإنفاق المحلي على الألعاب الرقمية.

ورغم أن السعودية تقود المنطقة في الإنفاق على الألعاب الرقمية فإن الأمر يختلف كثيرا في إجمالي عدد اللاعبين، إذ تمتلك المملكة 30.4% من إجمالي عدد اللاعبين في المنطقة العربية وعلى النقيض تستحوذ مصر على 58.5% من إجمالي عدد اللاعبين والإمارات 11.1% فقط، وذلك من إجمالي عدد اللاعبين الذي وصل هذا العام إلى 68.4 مليون لاعب.

ورغم أن التقرير المتاح عبر موقع الشركة لم يتطرق إلى نسب الإنفاق على المنصات المختلفة في عالم الألعاب الرقمية بالمنطقة فإنه من المتوقع أن تتفق هذه النسب مع معدلات الإنفاق العالمية على منصات هذه الألعاب التي غطاها تقرير شركة "نيوزو" للتحليلات.

وهذا يعني أن الحصة الكبرى من الإنفاق المحلي على الألعاب الرقمية تأتي من ألعاب الهواتف المحمولة ممثلة 49% من إجمالي الإنفاق، وتليها ألعاب المنصات المنزلية عند 29%، ثم ألعاب الحاسب الشخصي مع 21% من إجمالي هذا الإنفاق، وهو ما يتفق أيضا مع التوجه العالمي للكثير من شركات تطوير الألعاب الرقمية في تقديم ألعاب للهاتف المحمول وألعاب للمنصات قبل تقديم ألعاب الحاسب الشخصي.

يذكر أيضا أن إنفاق مصر المتمثل في 10.5% من 1.92 مليار دولار، أي ما يتجاوز 20 مليون دولار يأتي وسط أزمة اقتصادية بسبب توافر النقد الأجنبي داخل الدولة، مما يشير إلى أن معدلات الإنفاق هذه قد ترتفع في حال انتعاش الاقتصاد. 
 

نمو جاذب للاستثمارات المحلية
النمو الواسع في الإنفاق على قطاع الألعاب الرقمية في المنطقة العربية جذب أنظار المسؤولين المحليين والمستثمرين حول العالم، مما أسفر عن تنامي الاستثمارات داخل هذا القطاع على جميع الأصعدة بداية من الاستثمارات والدعم الحكومي لفرق الألعاب الإلكترونية وحتى ظهور شركات الألعاب الرقمية المحلية واهتمام الشركات العالمية بإطلاق الألعاب الخاصة بها في المنطقة.

السعودية كان لها نصيب الأسد من هذه الاستثمارات المحلية والعلمية، وذلك بفضل الدعم الحكومي الواسع والمعلن عنه رسميا لقطاع الألعاب الرقمية، وتحديدا قطاع الرياضات الإلكترونية، إذ شهدت المملكة استثمارات عدة مهمة في هذا القطاع.

البداية كانت من الإعلان عن كأس العالم للرياضات الإلكترونية مع صندوق الجوائز الأكبر في تاريخ الرياضات الإلكترونية ثم إنشاء مجموعة سافي للاستثمار في الألعاب الرقمية عبر دعم مباشر من صندوق الاستثمار الملكي السعودي بقيمة تصل إلى 37.8 مليار دولار.

ومؤخرا المبادرة التي أطلقها صندوق التنمية الوطنية بالتعاون مع بنك التنمية الاجتماعية، والتي تشمل استثمار 120 مليون دولار في قطاع الألعاب الرقمية، وهي المبادرة التي أعلن عنها خلال مؤتمر "ليب 24" الأخير.

لم يقتصر الدعم في قطاع الألعاب الرقمية في المنطقة على السعودية فقط، إذ أعلنت الحكومة المصرية عن تأسيس اتحاد الرياضات الإلكترونية في الدولة وضمه تحت مظلة وزارة الشباب ووضع خطة متكاملة للمشاركة في البطولات المحلية والعالمية.
اهتمام عالمي بالمنطقة

رغم الحجم الكبير للإنفاق على الألعاب الرقمية في المنطقة العربية فإن بعض الشركات ما زالت ترى أن المنطقة ليست أهلا لاستثماراتها، وهذا يظهر بوضوح في تجاهل قوانين المنطقة واشتراطاتها في إطلاق الألعاب الرقمية العالمية عبر إزالة ما يتعارض مع الذوق العربي العام.

لكن هذا التجاهل ليس حالة عامة بين جميع شركات الألعاب، إذ إن الأغلبية العظمى من الشركات تهتم بالمنطقة وتحاول تلبية متطلباتها، بل وترى أنها أرض خصبة تستجيب للمزيد من الاستثمارات العالمية والمحلية.

لذلك، سعت الكثير من الشركات إلى تعزيز وجودها في المنطقة عبر بناء واجهات رسمية لها والتعاون مع الأجهزة الرقابية من أجل إطلاق الألعاب الرقمية رسميا مثلما يحدث مع متاجر Playstation في السعودية والإمارات.

الاهتمام لم يكن حكرا على شركات تطوير المنصات والألعاب الرقمية الضخمة، بل إن العديد من الشركات الصغيرة ترى أيضا أهمية المنطقة وتعمل على بناء ألعاب تتماشى معها، ويظهر ذلك بوضوح في الألعاب الرقمية التي تقدم أحداثا خاصة لموسم رمضان وغيره من المناسبات المحلية، وهو ما قامت به ألعاب رقمية كبيرة مثل PUBG وFortnite أيضا.

ووسط كل هذه الاستثمارات والدعم العالمي لقطاع الألعاب الرقمية في المنطقة تظل شركات تطوير الألعاب المحلية غائبة عن الساحة، إما عبر غياب كامل عن إطلاق هذه الألعاب أو حتى عبر إطلاق ألعاب رقمية لا ترقى إلى مستوى المنافسة، ولهذا يظل السؤال الحقيقي: هل سنرى يوما ما ألعابا رقمية عربية قادرة على المنافسة عالميا؟